مذبحة المستندات الإثنين، 21 فبراير 2011 - 19:44
أركان نظام الرئيس حسنى مبارك المخلوع، لم يكتفوا بما اقترفته
أيديهم الملوثة بالظلم والفساد ودماء الشرفاء الذين حلموا بمستقبل أفضل
وأشرف لوطنهم، لكنهم يأبون إلا الإضرار بهذا البلد حتى الرمق الأخير من
أنفاسهم غير الزكية العطرة، بتآمرهم الخبيث على الذاكرة الوطنية، عبر
مشاركتهم فى مذبحة بشعة لمستندات الدولة، لطمس وإخفاء الحقائق المؤكدة
والدالة على فسادهم وإفسادهم، ظنا بأنهم بذلك يسترون عوراتهم التى فضحتها
ثورة شباب الخامس والعشرين من يناير، ففى غمرة فرحتنا واحتفالنا بسقوط
النظام السابق، تطايرت أنباء متناثرة، حول عمليات إعدام وتهريب لكميات
هائلة من المستندات الخاصة بعدة وزارات مهمة وأجهزة أمنية، وقرأنا أيضا أن
هذا ما فعله الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب المنحل، بل إن بعض مسئولى
الصحف القومية حاولوا إخراج كراتين مليئة بالمستندات من مكاتبهم.
وقرأنا أيضا عن إحراق مستندات بوزارة الإعلام والتليفزيون، لإخفاء أدلة
تكشف الفساد الذى عم واستشرى، إبان تولى أنس الفقى وزير الإعلام السابق،
وتحدثت بوابة الوفد الإلكترونية عن تدمير وزير الخارجية أحمد أبو الغيط،
مئات المستندات، ولا أستبعد أن تلك الجريمة النكراء قد شملت بدورها مؤسسة
الرئاسة، وأعتقد أن إحراق مقر الحزب الوطنى الديمقراطى على كورنيش النيل قد
تم بإيعاز من قياداته، خشية العثور على قرائن ودلائل دامغة، حول تزوير
انتخابات مجلس الشعب، وتقويض وإضعاف الأحزاب الهشة، حتى تبقى الساحة شاغرة
للحزب الوطنى يفعل فيها ما يبغيه ويشتهيه ولا عزاء للوطن الذى طالما حدثنا
قادته أنهم يواصلون الليل بالنهار للعمل على رفع شأنه، وطمأنه شعبه الأصيل
على مستقبل أولاده.
نحن فى مواجهة جريمة خطيرة من المحتم التصدى لها قبل فوات الأوان، فأقطاب
وسادة عهد مبارك يتملكهم الخوف والفزع من استدعاء السلطات القضائية لهم،
للتحقيق معهم فيما اتخذوه من قرارات أهلكت الزرع والنسل، ومصادر ثرواتهم
المأهولة، ولكى يضمون إنقاذ رؤوسهم من المقصلة فإنهم يبذلون كل ما فى وسعهم
للتخلص مما قد يدينهم ويجعلهم عرضة للمحاسبة والعقاب الأليم المستحق،
وأخشى ما أخشاه أن تلجأ الأجهزة الأمنية المتورطة فى تعذيب المعتقلين وقتل
المتظاهرين المسالمين بدم بارد لدفن ما لديها من وثائق، وحينها ستضيع
الحقيقة، فكل طرف سينكر مسئوليته عما وقع من مذابح وانتهاكات لأبسط قواعد
الآدمية وحقوق الإنسان.
لهذا أطالب المجلس العسكرى بتأمين مستندات الدولة بالوزارات والهيئات
الحكومية والمجالس المحلية، وأن يكون الحارس الأمين عليها، مع علمى أن
الأيام المنصرمة شهدت حرق وتهريب المئات منها، لا سيما وأن كبار مسئولى
النظام السابق سيحتفظون بما هربوه من وثائق فى أماكن آمنة، لاستخدامها وقت
اللزوم، إذا شعروا بأنهم سيقعون تحت طائلة الحساب، حينها فسوف يقولون على
وعلى أعدائى.
كذلك فإن مذبحة المستندات توجب علينا جميعا الانتباه، وإن نجتهد للمحافظة
عليها، ومنع ذيول النظام من الوصول إليها واتلافها، وإن من لديه أوراق تؤكد
وقائع فساد وسوء استغلال للسلطة عليه عدم التقاعس عن تقديمها للنائب العام
أو أى جهة أخرى، ومع يقينى أن تطهير مصر من مفاسد وأدران 30 عاما من رئاسة
مبارك سوف تستغرق سنوات، فإن بدايتها الضرورية تكمن فى عدم ضياع
المستندات، حتى تكون الشاهد العادل على تورط هذا المسئول أو ذاك فى ارتكاب
جرائم أضرت بالبلاد، ولكى نتأكد من أن العدالة ستأخذ مجراها المستقيم بعيدا
عن محاكم التفتيش والرغبة فى الانتقام والتشفى، فوق هذا علينا ألا تأخذنا
الرحمة والشفقة بمن أتلف ودمر وهرب المستندات، فهى ليست قرينة ضده وحسب،
لكنها ملكا لنا جميعا وتظل فى النهاية جزءا من الذاكرة الوطنية يهتدى بها
من سيأتى بعدنا، علها تكون رادعا له لعدم الوقوع فى ذات الأخطاء التى
أورثتنا الفقر والجوع والمرض والفساد وتسيد طبقة بعينها على مقدرات وخيرات
بلدنا مصر.