ام محمود عنايات نشيطه
عدد المساهمات : 193 تاريخ التسجيل : 02/02/2011 الموقع : ركن الدلوعه
| موضوع: كعب آخيل ..... الخميس مارس 03, 2011 8:55 am | |
| google_protectAndRun("ads_core.google_render_ad", google_handleError, google_render_ad); تعود غالب الفارس أ ن يقضي معظم وقته في المنزل، غارساً رأسه في السجادة الإيرانية، قاذفاً رجليه إلى أعلى بمحاذاة الحائط، فقد مل جلسة المقهى، وسماع أخبار الانتصارات الإعلامية أو الهزائم الميدانية، وقصص الخيانات المحبوكة بطرائق مبتذلة، كما أنف صحبة رجال لم يعودوا يتقنون سوى الشماتة.
لم تكترث زوجته أول الأمر بالتغير الحاصل، وظنت أن وضعيته عند الحائط لا تعدو أن تكون ميلاً إلى التغيير أو رياضة مسلية، أو حركة إضافية من طقوس اليوغا، لكن صمتها خانها أخيراً، فسألت زوجها مستاءة: ما فائدة وقوفك هكذا طول الوقت؟ ومتى استساغ الناس رؤية المشاهد المقلوبة.
دارى غالب جهل الزوجة، واكتفى بإظهار ابتسامة مشفقة، لكن الزوجة تابعت رحلة الألف ألف سؤال، وقصفته بالمجموعة الأولى منها قائلة: ماذا ننتفع من وقوفك هكذا؟ ولم لا تكترث بمشاعري؟ وهل تبدو لك الأشياء أوضح وأنت على هذا النحو؟ ومن نصحك بأن تنقلب وتقلب حياتنا رأساً على عقب؟
أيقظه السؤال الأخير من عدم مبالاته، ونبهه إلى مسألة جديدة، فقد اعتقد أن الأمور مقلوبة في الخارج فحسب، أما أن تكون قد انقلبت هنا في البيت فهذا لم يخطر على باله قط، وقال:
إعلانك أن الأمور مقلوبة جيد، وأنا أقف هكذا كي أستطيع رؤية الأشياء على حقيقتها.
أضافت الزوجة باستغراب: كيف تستطيع الرؤية وأنا كلما نظرت إليك أحس أني أوشك أن أقع؟ فأجاب موضحاً: إنها موهبة كعب قدمي اليسرى، إنه لاقط ممتاز ونقطة ارتكاز، وهو أضعف جزء من الجسد وأقواه في الوقت نفسه، ألم تسمعي بكعب آخيل؟
همست الزوجة بعبارات امتزج فيها السخر بفروغ الصبر، قالت: "ياللقوي الضعيف! من هو آخيل هذا أيضاً؟ ومالنا ولكعبه أو لون عينيه؟
لم يجب غالب، وأغمض عينيه محاولاً النفاذ إلى الأعماق القصية، وكان كمن يستكشف الزوايا المعتمة.
تساءلت الزوجة في سرها: لابد أن أمراً جرى لعقله، وأخشى أن تقوده هذه الوضعية إلى الهلوسة، لكنها تابعت عدم اكتراثها بالأمر، ومضت فجلبت للزوج فنجاناً من القهوة التركية، وقالت:
اشربها بأية وضعية تختار، ولكن احترس أن تدعها تندلق على السجادة، وتذكرت سنوات زواجهما الأولى، حين كانت لؤلؤته وقنديله وحديقته الوضيئة وشمشه التي لا تغرب، وحين كان تغيير الوضعية في الفراش يكشف لهما أسرار اللذة ومفاتيح الوصال، ويضيء لهما عوالم ومنارات جديدة، ويقودهما إلى متع مضاعفة ويصوغ من جسديهما أبعاداً وتشكيلات جميلة لم يعهداها، أما اليوم فقد حاصرتها جحافل الرتابة وسدت الشكوك والحيرة منافذ روحها كلها.
دارت الغرفة بغالب، فغامت عيناه، ولمح خلال الستائر أطياف جيوش غازية تتدافع، ملأ غبار زحفها أنفه، فانتابته رجفة رعب، وهوت رجلاه إلى الأرض، فاندلقت القهوة، وهرعت الزوجة المجفلة إليه لتجد مشهد الفوضى والارتباك الذي توقعته، ولم تعثر على اسم شفيعها إبراهيم الخليل كي تطلب نجدته بفعل غيظها، فصاحت: ياكعب آخيل، ثم دهشت من ندائها. وأطلقت ضحكة مجلجلة.
بوغت غالب بالنداء، ودهش، كأنه في لحظة كشف صوفية، وتوقع أنه ناج، واكتشف فائدة إضافية للوضعية المقلوبة، فهاهي ذي الزوجة تشاركه اكتشاف معجزة كعب آخيل، وعاد إلى وضعيته بحماسة هذه المرة، ولم يستعن بكفيه كي يسند جسده الثقيل، بل دفعهما مسبلتين بالمقلوب أيضاً، وأغمض عينيه كي يفسح المجال لأحلام جميلة وأفكار عبقرية شعر أنها تتدافع، ومضت الزوجة كاسفة البال إلى العناية بزهور الحديقة، وحمايتها من الحشرات الغازية، بينما اندفع غزاة حقيقيون بأحذية ثقيلة وعيون خزرية في بناء مستوطنة جديدة، ومرروا حاجز الأسلاك فوق السجادة المزركشة. | |
|