تقدمت باتجاه وسط الحلبة خطوةً واثنتين ، وأنا أراقب العملاق القادم من
الزاوية المقابلة ، عملاق برأس مكعبة (اعتقدها قد ملئت بالطابوق) وذلك يفسر
شعوري بالألم كلما ضربته بقبضتي خلال الجولتين المنصرمتين، وهو يدفع أمامه
(بمطرقتين فولاذيتين) !! يمينية ويسارية .</span>
</span>بعد جولتين سابقتين(وكثرة
اللكمات التي تلقيتها) تيقنت إنهما من الفولاذ الخالص! ، بل هما من ماركات
عالمية صنعت خصيصا لتناسب أبعاد وجهي المسكين !!، وربما كان الهدف من
صنعهما هو تغيير تضاريسه !!، أو إقحام انفي داخل الجمجمة ليكون بمستوى الفم
!!!. </span>
كنت
مع نهاية الجولة الثانية استرق النظر إليه من الخلف بإمعان ، (محاولا
استكشاف إن كان هناك سلك خفي مربوط به !!!) ، ربما إن وجد فقد يفسر كيف
تعمل المطرقتان بهذه السرعة وتلك القوة ، خصوصا عندما يحشرني بينه وبين
الحبال ، فتبدأ اليسارية تعقبها اليمينية بأقصى سرعة ، ثم ما تلبث الاثنتان
تتسابقان للوصول وتحطيم ما يقع بمرماهما ، ولكني لم أجد شيئا ، (ولذلك
أيقنت إنها تعمل بالبطارية !!!).</span>
حاولت
أن اظهر له قوتي ، وربما بسالتي وإقدامي </span>، فتجرأت ولكمته
بيميني فكانت الفاتحة (التي كادت أن تكون سببا لتقرأ عليَ الفاتحة)!!! .
فرحتي
كانت كبيرة لأن يميني قد داست هذا الوجه المتغطرس ، ولكن فرحتي لم تدم
طويلا فقد رأيت المتغطرس قد اسود لونه ، وارتسمت عليه علامات الغضب والحنق ،
وابتدأ خصمي بفرك مطرقتيه ببعضهما ، وهنا تذكرت مواقفا مشابهه رأيتها في
(الأفلام الكارتونية) ، عندما يتحفز القط لأكل دجاجة مشوية فيفرك كفيه
ببعضهما!!.</span>
</span>نظرت إليه نظرة فيها كثير من التحدي ، وأنا أغالب نفسي حتى
أبدو كالبطل المسيطر على الحلبة ، رغم إن قدمايَ تتراقصان بسبب الخوف من
العواقب .
أكملت
تمثيل الدور ، وأكمل هو (شحن المطرقتين) ، ابتدأ الإرسال وبدأت الاستقبال،
تتابع المطرقتين وبالتناوب على زيارة وجهي ، بسرعة وقوة خرافية (أثبتت لي
وبما لا يقبل الشك جودة البطاريات المستخدمة) .</span>
ها
هي الجولة تصل لمنتصف وقتها ، وأنا صامدٌ أمام السيل الجارف من اللكمات ،
رغم إني لم استسلم ، فقد ضربته بقبضتي كثيرا ،لكن ضرباتي كلها كانت في
الهواء ، حتى ظن المشاهدين إني (أهش الذباب) عن وجهه الغاضب، وأهيئ له كل
السبل الكفيلة بمواصلة الطرق .</span>
كنت
استمع إلى صراخ المدرب وهو يتحدث بلغة غير مفهومة ، ظننتها إحدى لغات
(الهنود الحمر) ، رغم إني اعرفه جيدا فهو لا يجيد غير لغتنا الأم ، لا أعرف
بالضبط ما كان يريد مني في هذه اللحظات المستعرة، يا له من مدرب مغفل ،
ألا يفهم إني ((مشغولٌ جدا بتلقي اللكمات)) ، اليسارية منها واليمينية ، من
أين أحصل على وقت لاستيعاب ما يقول ، وخصمي لا يعطي لي ولا لنفسه فرصةً
لالتقاط الأنفاس ، فهو يواصل الإرسال </span>بدون توقف ، كان شعاره
لا هوادة ولا استكانة ، ولا مجال لأن يمنح للهواء فرصة ملامسة وجهي ،
((ربما يخاف عليَ من الزكام)) !!! .</span>
وبلكمة
قوية جدا انتهت معاناتي وأنا ارتفع في الهواء وألتصق بالحبال ، كانت
الأخيرة ضربة قوية جدا ، فقدت على أثرها الرؤية بإحدى عيني بعد أن تورم
جفنها والتصق ، نظرت بالعين المتبقية وأنا امسك بالحبال واسند نفسي عليها،
خيل إليَ إني أرى شيئا عجبا ، خُيل إليَ إن هناك (راقصة شرقية ترقص في
الحلبة) !!! ، ابتسمت وأنا أشاهد رقصها ، وارتفعت روحي المعنوية وازداد عدد
ضربات قلبي ، وهي تتقدم ناحيتي وجسمها يهتز بأكمله ، ثم رفعت كفها لتمسد
به وجهي ، ولكن اكتشفت شيئا غريبا- (هذه الراقصة تلبس قفازا للملاكمة كالذي
ارتديه) ، وما إن وصل كفها لوجهي حتى غمرني حنانها ، وسقطت على الأرض
</span>من كثر السعادة (( تبين من فرط قوة الضربة إني أرى الخصم
بهيئة راقصة!!).</span>
وقبل
أن افقد الوعي رأيت الحكم وهو ينحني قريبا مني ، لم افهم في وقتها لماذا
كان يقوم بحساب عدد أصابعه العشرة !!! وفقدت الوعي بعد أن ابتسمت له
ابتسامة استغراب .</span>
استفقت
بعدها بلحظات على رذاذ من الماء المتناثر على وجهي ، مع صفعات متتالية ،
فتحت عيني الوحيدة الغير ملتصقة ، وجدت شخصا غريبا ينظر ناحيتي وكفه تصفع
وجهي، توقف عن الصفع وارتسمت على وجهه ابتسامة بلهاء ، وتفاخر بالقول ((لقد
استفاق)) .
عرفت عندها انه أحد المسعفين ، حاولت أن أحرك ذراعي لأريه كيف يكون الشعور
بالصفعة ، خصوصا على وجهٍ كان لتوه ساحة لتدريب المطارق ، لكني لم استطع .
تذكرت اللحظات التي مرت علي ،ابتسمت وأنا فرح بإنتهائها ، فقد كانت
كالكابوس المرعب ، كرهت من جراءها (معامل تصنيع البطاريات ، والراقصات
الشرقيات) !!!. </span>